في البودروم.
في البودروم
ريبة هدوء الليالي تتحسس الرغبة فيّ، وتلعبُ في سعادتي، تارةً أهدأ، تارةً أقلب ليلتي انفعالاً حاراً، وتارة أحتضنُ المخدة مقبلةً هي إياي ولا أعيشها، إنها ليلة من ليالي العطل الطويلة التي أشرب فيها حليباً ولا أنام بعدها مثلما أردت، أعدُّ -وصدري يعلو المخدة وساقاي مرتفعتاي وظهري مقوّس- عدد النقوش على حواف التخت محدِقةً تجاه تصميم سريريَ القديم والذي هو-أصلاً- سرير جدي وجدتي قديماً في شبابهما، وحينما رفضت أمي قبول ذاك السرير في غرفتها، لم تشتري لي واحداً جديداً وفرضته علي بل تركتني أتمدد كل يومٍ على تختٍ يسع شخصين كلما مررّت وجهي يميناً كان يساراً كان صادفته على المرآة المثبتة بين النقوش التي كانت أمامي، وأنا -وإن حاولت أن أحتفظ بعفتي- أردت دائماً أن أحظى وزوجي بمثل هذا التخت لأنه يضفي تجربة جنسيةً مثيرةً، أن يتأملني وأتأمله -بالعربي المشرمح-.
وبدأت أشعر بالملل، خيالاتي عن الرجال والليالي قائظة الحبِّ أو ماذا سأدرس أو أطبخ غداً لم تزرع في أحشائي سوى المزيد من الضجر والرتابة، ولأنني امرأة كسول فلم أبادر بالخروج منذ أسبوعين.. أما والله فالكسل إحدى الخطايا السبع، والإله بعادته يحب العقاب في دنياه وآخرته، وأعتقد أن عقابيَ الآن هو أن تشتد قبضتي على الباب ولا أخرج، لأنه، وببساطة تامّة، إنها الساعة الثانية صباحاً!
ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ طفقت أردد بيني وبين نفسي، محاولةً اجتناب جلد الذات وسوء العقاب الذي يغتالني الآن..
ها! ها! صرخت بأعلى صوت، معبرةً عن فكرةٍ برُقت في ذهن ملوكة الصبية الحلوة ثم وضعت كفيّ على فمي، العالم نائمة يا فتاة، فعلاً اللي استحوا ماتوا!
سحبتُ درج الملابس بهدوء واضعةً كفي على الباكورة كي لا يصدر سحبه صوتاً يوقظ قاتلي الانفعالات الرومانسية الجميلة وبدأت أتمتم: الله، يا هيك الفساتين يا بلا..أين المسجل الآن؟
أبحثُ عن كاسيت تقاسيم شرقية-أم كلثوم، ولا يفتح، ويأبى زكريا أحمد -صاحب مقطوعة أنا في انتظارك غناء أم كلثوم- أن يبدأ، الله! كالعادة! يخبؤون ريشة الفونوغراف قبل النوم متذرعين بحجة مثل: "لا نريد أن يشغله الخدم" واللهِ أنتم من تستهلكون عمر الواحد، كيف لي أن آتي بها وهي في غرفة أمي وعند تركيبها تصدر صوتاً غليظاً! قهرٌ استشاط تلافيف أمعائي غضباً، وبدأت أحس بقرصات في فروةِ شعري، ولكن لأ وألف لأ، آليتُ أن أتوسد الدرجَ كله حتى أصل لمبتغاي..
"مدام، ايه الي مصحيكي لحد دلوقتي؟" - قالت هديّة، وهي خادمة من الصعيد.
قبضت طرف فستاني وبلعتُ لسانيَ كله حتى لم يعد من حواشيَ دماغي سوى العرق، وقلبت الطاولةَ عليها سائلةً إياها: "وأنتِ ايه الي مصحيكي لحد دلوقتي؟" تلبكت تلك المسكينة، لم تكن تسأل سوى لدافع الاطمئنان والحبّ والإخلاص للبيت الذي تخدم وتعيش وستموت فيه، وشعرتُ بتأنيب الضمير إذ لامسني شعورها بالانعقاد والحزن، أدخلتُ ذراعي في تقويس ذراعها وقلت: "حبيبتي هديّة متفهمينيش غلط ايوه، أنا تلبكت لما شفتك منتي عارفة الدنيا ليل وكده، أقلك مصحيني ايه بس متقوليش للست نهاية؟"، وأحكمت هديّة وشاح رأسها على آخره ووضعت يدها على فمها وقالت: "هتبعتي جوابات يا مليكة؟" ولم أعلم ماذا أفعل سوى الضحك واتخذت القرفصاء هيئةً، وقلت: أولاً يا ست هديّة كم من مرة قلت لكِ ألا تناديني مليكة، البيك حاتم يناديني الي عايزه، مليكة ده عفا عليه الزمن ناديني ملاك لو سمحتي والأفضل ملوكة، ثانياً يا ست هديّة لأ، لا أنوي كتابة الجوابات، وأريد شيئاً آخر، أنا عاوزة أجيب ريشة الفونوغراف من جناح نهاية هانم، ومكدبش عليكي يعني، مش هعرف أوصله، أنني أشعر بالضجر، وأود لو أرقص!
غمزتني ست سنيّة التي أتت على حين غرة وقالت: هل ننزل على جناح البودروم؟ أنا لم أنم من الحرِّ أيضاً، ما رأيك لو جلبتُ بعض الكعك وحملناه إلى الأسفل وتحدثنا قليلاً؟
ولم أبادر بالموافقة حتى شهقت ست هدّية وقالت: ماذا تقولين؟ والنبي لو نهاية هانم علمت بالذي تقترحينه لأمسكت شعرك وجرّتك خارج القصر، أمشي..أمشي، حينها وضعت يدي ثانيةً في تقوس ذراع هديّة وبدأت الرجاء: أريد أن أنزل معكم أنني أحلف على المصحف بقدسيته أن لا أنبسّ لأمي بشيء، رجاءً..
وقبلما ترفض هديّة ثانيةً سحبتني سنيّة إلى الأسفل بطقطقة شبشبي الذي سرعان ما خلعته وحملته في أصابعي كي لا يسمعه أحد..درجةً تلو الدرجة وأحس أن القيظ يزداد والرطوبة أيضاً، نزلت ستين درجة، وعندما وصلت كانت خدودي اكتسبت من الحُمرة ما سخنّها، ووجهي -بالطبع- ازداد غمقاً، ولأنني أردت الانسجام امتنعت عن السؤال عن الرائحة الرطبة والحرارة العالية التي كانت تملأ المكان، حينها خلعت سنية رداء شعرها وفردته وأمسكت برداء الخدم ورمته جانب زقِّ الماء المغلق وبقت برداء النوم الأبيض القصير، مثل الذي أرتديه تماماً، والفرق بين الذي ألبسه أنا وتلبسه هي، أن الذي ألبسه هو تصميم من فرنسا، أما الذي تلبسه هي هو تصميم من فرنسا أيضاً، ولكنه كان ردائي قبل خمس سنوات..
وبدأت السهرة، إذ أيقظت سنيّة كل الخدم لأجلي، وجلسنا نتحدث، كانت سنسن على مشارف الزواج من نبوي -حارس القصر-، وبقيت الخادمات بأجمعهن صامتات خمس دقائق كاملة خشية التلفظ بشيء شعبيٍ أمامي، أنا التي أحس أنني شعبية أكثر منهن، سألت سنية عن تحضيراتها للزواج، وكيف استعدادتها للدخلة الأولى، تطرقُ سنية ضحكة تلمس ستارة آخر شباكٍ في البودروم الضيق، وتقول: عيب يا ست، ده أنت ست مقدرّة.
وإذ استدرجت جميع الخادمات للتكلم عن ليالي الحبِّ الأولى، ووجدت أن الفرق شاسع، حمادة حتى الآن يدلع هديّة ويناديها ب"ست الكل" حتى بعد خمسين سنة زواج، ونبوي لا ينادي سنيّة -التي لم يتزوجها بعد- إلا بسنا الأيام، ومع تعالي صوت الضحكات وصراخ هدية بالهدوء، سرحت، ماذا حملت من حبِّ أمي وأبي سوى الهدوء لا السكينة، الجديّة والحزم، والنوم مدة ثلاثين سنة على سرير لم تتلامس وجنتاهما فيه إلا نادراً بدافع الرغبة لا الحب، وحينها شعرت أنني لم أرد زوجاً إلا كنبوي وكحمادة، ومع تضخم ضبابة الأفكار على عيناي، إذ بفُلة تأتي بالطّاسة وتتربع في نصف الجلسة إيذاناً بعمل بروفا لعرس سنيّة، لم ننادي نبوي طبعاً وجعلوا هديّة بدلاً منه العريس، لو تدري نهاية هانم بكل هذا لطردتنا جميعاً من القصر ولظلت ليلةً كاملة تقول: "سوفاج"..
بدأ السنا يتسلل إلى بداية البودروم، العروس والعريس وصلا، والأهازيج تتراقص ببطء في شفاه الذين أيقظناهم: "واحنا مشينا من بلد لبلد والعروس أحلى النسب" و "ايويها ... اسم الله عليك، ايويها ... عين الله عليك، ايويها ... عين الحاسدة تعمى، ايوها ... والي ما تسمي عليك، ثم الزغرودة المعتادة" ولم تنتهِ هذه الأهازيج حتى لففت رداء سنيّة الذي رمته مسبقاً على زق المياه على خصري وبدأت أرقص، وأقفز، وأرقص، والعرق يتصبب بين نهديّ والشعر يلامس خدود المحيطين بي، أنزل وأصعد، وأهز كتفي بكتف سنيّة الحلوة، فعلاً هي كالسنا، صوت الطبلة يشتد والشباشب تصدر صوت طقطقة حتى وإن لم نرتديها، كانت ليلةً هوجاء أمسكت كل شعري بيدٍ واحدة وبدأت أحركه بحركات دائرية على ظهر سنية مميلة إياه إلى الأرض وجلست القرفصاء مع هزةٍ لأعلى، وهزةٍ لأسفل حتى كاد خصري يتشقق، الضحكات تتوالي والوجوه حمراء، ليتَ أمي تعلم بكل الذي يحرمه الاتيكيت منا..
طق، طق، طق، بوابة القصر الكبيرة تهتز، من ذا الذي يدق في أواخر الليل؟
أتراكض إلى الأعلى قبلما تستيقظ أمي من الصوت، أعجز عن فتح الباب ثم يأتي نبوي ويفتحه أخيراً، وإذ برجل طويل القامة ضخم الهيئة، ذي بدلةٍ بيضاء وخصلةٍ تتراقص على جبهته القمحية وحواجبٍ تقاس بالمسطرة لحدتها، وذقنٍ يشد قبضته على لحيةٍ السوداء قصيرة ومقلّمة..أطلُّ من وراء ظهر نبوي -الرجل الصعيدي الضخم أيضاً- قليلاً..بصدرٍ نصفه بارز يرتفع صدري ويهبط ويطلب من الدنيا كل الأكسجين..وضعت ذراعيّ على خصري ورفعت ذقني للأعلى وقلت: من أنتَ؟
وقبلما ينطق حرفاً، سحب نبوي الباب قائلاً: سيد هاشم، تفضل تفضل، هلّت البركة وفاحت..
من سيد هاشم هذا؟ مصيبة جديدة؟ كيف لنبوي أن يعرفه وأنا لا، وأخذت أتامل تفاصيله، لقد كان شاباً مهيوباً يجعل الحلماتِ تبرز نشوةً.
نبوي، ماذا يحصل؟ -صرخت أمي من الأعلى وقاطعها هاشم قائلاً: سيدة نهاية.. وشهقت هي بدورها قائلةً: مليكة، مليكة، ايه المنظر ده؟ وتسارعت قرقعة نعالها حتى وصلت إلي وقالت: على الغرفة فوراً، حسابك بعدين..
التقت ملاك بأباها على السلم، ولم يرمقها بأي نظرة لا نظرة حب ولا حتى قرف، كان متعجلاً وصدح قائلاً: سيد هاشم، أهلاً أهلاً!
وجلس على الأريكة بجانبه، وقال بقلقٍ واضح: ما سرُّ هذه الزيارة المفاجئة؟
وضحك هاشم، إذ أراد طمأنته، وقال: هذه رسالة من أحمد -أخي ورفيق هاشم سابقاً في الجيش- لقد علِمَ بقلقكم عليه وأنا لم يساورني ضميري أن أترك القلق يستقر في منامكم هذه الليلة قبل أن أقطع هذا الشك وأخلصكم منه، هو بخير، وهذه رسالة حبًّ وود، وأنا أستأذن، تصبحون على خير.
وعانقت أمي الرسالة، لم أرَ هذا الانهيار العاطفي منها منذ زمن طويل، وشد أبي زند هاشم وأقسم أن يبيت أسبوعاً كاملاً عنا، مخبراً إياه أن الليل وصل ذروته، وأنه لا يسمح له بالخروج إلى الطرقات الآن، معلماً إياه أنه يعرف أن لا بيت له بالقاهرة، لذا وبدلاً من أن يرمي أسبوعاً كاملاً من حياته في الفنادق بحثاً عن من يملّكه بيتاً يقضي وقته هنا ويبحث خلالها عن بيت براحته، ونظر هاشم إلى أبي متردداً ومتلبكاً ولم أسمع -أنا التي كنت أتصنت من أعلى الدرج عليهم- سوى صراخ أمي على الخدم لتجهيز غرفة لهاشم -وهي جانب غرفتي- وحينما هدأ الوضع، استسمحت أمي تصرفي من هاشم، قائلة أنه ليس من عادتي وأنني فتاة راقية..ثم صعدت إلى غرفتها.
~
وس، وس، ست مليكة، يا ست مليكة، اصحي يا ست مليكة البيك حاتم طالبك -همست هديّة.
أمسكت المخدة وغطيت بها وجهي وقلت: مليكة مرة ثانية؟ لا فائدة البتة. وبدأت أتقلب وأكركر من الضحك لأذكر هدية بليلة البارحة حتى قرصتني أمي وقالت: لا يميل بالك إلى التفكير أنني نسيت، لم أنسَ البتة، كفّري عن ذنوبك وتجهزي للفطور، هاشم استيقظ.
وكركرت أكثر، إذ أن هاشم يبدو لطيفاً وحلواً وودت من الليلة الأولى الهروب إلى غرفته وتقبيل وجنته وكله، "الله ما ألزه" تمتمت.
ماذا؟ -قالت أمي.
- لا شيء، سأتجهز الآن.
خصلة الشعر تسابقني في الوصول إلى مائدة الفطور أمام هاشم، دهست كل دعسوقة على الدرج بفستاني الأزرق الذي ينساب تحت الركبة بشبر واحد، ذو الأكمام المنصفة المنفوخة، والزّمة الضيقة عند الصدر، والشبرة الزرقاء -الفيونكة- التي ربطت شعري، وعندما استلقت ساقيَ الأولى على ساقيَ الثانية كجِِلسة الأميرات، قلت: صباح الخير جميعاً، وبدأنا الأكل بلا كلمة تقاطع مرور الطعام إلى المعدة، لأنّ الأتيكيت يقول يجب علينا التزام الهدوء حين الأكل، ولمّا طلب هاشم الماء اغتنمت هذه الفرصة لتلاقي أعيننا، بذلت جهدي في تكحيل عينيّ عموماً، وبعد الفطور وانقضاء كلُ فرد إلى مسعاه، بقينا وحدنا، وأخذ يشاكسني كعادة شباب المدينة، وقال: ماذا كنتِ تفعلين في البودروم، عندما كنتِ صغيرة كنتِ أقل مشاكسةً يا مليكة.
واحمرّ وجهي لسببين أولهما: كان يعرفني حينما كنت صغيرة؟ وثانيهما: ما شأنه، ولمَ يناديني مليكة؟
وحاولت قدر الإمكان تماسك عصبَ الرقيّ والأتيكيت الباقي لي لأنه كان سيفرط، ورددت عليه قائلةً: كنت أرقص.
وصرخت أمي عليّ بأعلى صوت، لم أكن أدري أنها هنا وتستمع إلينا نادتني لكي آتيها وقالت: إن لم تلتزمي الأدب سوف أهز العصاية على هاتين الفخذين، ثم صرخت أنا عالياً: لا أود الجلوس معه على أي حال، ليس ضيفي!
مرّ يومان اعتياديان، لم ألحظهما فيه إلا قليلاً يبدو أنه أخذ جانباً من جملتي تلك، ولمتُ نفسي كثيراً عليها، كيف لغبائي أن يضيَّع شاباً حلواً مثله!
وعندما نام الجميع، حملت رداء نوميَ الأبيض بيد والقبس بيدٍ أخرى إلى البودروم بالطبع وعلى أصابعي أقف تكة تكة، ولما أردت إفلات الرداء وإمساك سور السلم إذ بأحدٍ يقبض خصري إليه ويثبت نَفَسِي إلى الحائط، ويتمتم: إلى البودروم، ها؟
ودفعته عني، إذ لم يكن لائقاً تصرفه هذا ورمقته بنصف عين وقلت له: ليس بتصرف شابّ متمدن، ليردَّ: حتى الجماد ينهار أمام راقصات البودروم الحُلوات، خرجت من بين حبس ذراعيه الطويلتين وركضت إلى الغرفة وأحكمت إغلاقها، أحسستُ بكل التناقضات، كانت الشهوةُ في أقصاها، ولمّا حاولت النوم، رمقت مرآة التخت التي أردتها في سريري أنا وزوجي مستقبلاً، وتخيلته فيها قليلاً، واحتضنت المخدة، ولم أنم.
وفي النهار التالي، حاولت اجتنابه قدر الاستطاعة، وفي الليل الذي تلا النهار، حاولت النزول إلى البودروم لأستشير سنيّة ولأسمع صراخ هديّة قائلةً: "عايزة تكتبي جوابات؟"
أمسكت بيدِ سنيّة وأخذتها إلى غرفتي في الأعلى، وبدأت تخبرني هي بدورها أنّ عليّ أن أُشعِرَه بثقلي -الثقل الذي دفعني لكتابة جواب له لا يُحتسب- وكتبت:
"السيد هاشم، تحيةً وبعد،
أبدأ بالاعتذار عما بدر مني من قول، وأنت تعلم ما هو، ولكن لا أعتذر على دفعي إياك عند الدرج، لقد أربكتني، عاطفياً وجسدياً، وأتمنى أن توقفَ ألاعيب أبناء المدينة، لأن فتاة مثلي لا تخرج إلا نادراً، وبصحبة أهلها، وتسمع عن السينما أقاويل ولا تراها، لذا، ابتسامة في وجهي تحتسب ديْناً عليك، وشكراً."
ورميتها داخل غرفته دافعةً إياها أسفل الباب بعد طرقه، وسمعت صوت تمزيقه للمغلف وقراءته، ولم يعطِ أي رد فعل، عاد لنومه!
حينها علمت، أنه يتلعوب لعوَبة أولاد المدينة، وأغلقت صفحة هاشم، لعنة الله عليه.
وبكيت، بكيت كثيراً، كل طاقم البودروم أضحى يعلم بقصة هاشم، ولأن بعد العاشرة مساءً تبدأ ريبة هدوء الليالي والبكاء بالعويل، دقّت سنية بابي تلك الليلة وطلبت مني أن أنزل لنقيم حفلة تحضيرية (بروفا) لفُلة، سنيّة أنجبت طفلان خلال هذه الثلاث سنوات، وفلة عرسها بات قريباً، وأنا لا زلت ألعق آثار حذاء هاشم في القصر، قررتُ تلك الليلة الترويح عن نفسي، لقد حملت تلك الفترة من الألم ما حملت وتركت المرارة نصيبها على رقصي ما تركت، لم أعد أعرف الرقص مذ عرفته وتركني، والليلة سأستعيد كل هذا
لففت رداءَ سنية على خصري مثل قبل ثلاث سنوات، وجلست القرفصاء ثانيةً حاملة خصري يميناً شمالاً أعلى وأسفل، العرق ينصبُّ بغزارة وأتمنى لو ملكت رجلاً أنام معه ليخفف عني كل هذا الكبت والحزن، أمسك شعري بحركات دائرية على ظهر فلة مميلةً إلى الأسفل تماماً كما السابق، الضحكات تتوالى والوجوه تضحك، الأتيكيت ما زال يحرمنا من كل هذا!
طق..طق..طق على بوابة القصر الكبيرة
طق..طق..طق على بوابة قلبي القانط
هرع نبوي إلى الأعلى، وأمسكت بعباءته حتى وصل كلانا، حاولت فتحه وأبى، وفتحه نبوي كما السابق، هاشم.
إنه هاشم، هاشم مرة أخرى، كما رأيته وبنفس الوقفة =منذ ثلاث سنوات
صدري يتقافز كالجنادب أعلى وأسفل، أطلب الأكسجين هذه المرة ولا أجد.
يا أملي الحبُّوب
يا عدالة السماء
يا صفاء الحب
يا نهود النساء
يا ثورة العشق أمام المرآة
هاشم عاد، هاشم عاد..
تعليقات
إرسال تعليق