المدينة الفاضلة (نص غير مكتمل)

 المدينة الفاضلة، (نص غير مكتمل)

يصل كلٌ من الرجلِ والمرأة في بيتِ هذه المدينة الفاضلة إلى عمر الثلاثين وهو لا يعرف عن الجنس إلا بثلاث، تختص بنات البنوتِ منذ المراهقة بالاستعانة بأحاديثٍ سرية مع النساء المتزوجات مليئة بوضع الكفوف على الفم والقبض على الجفون خجلاً وحياءً ورغبةً ثم، تدريجياً، يملأ الجموح والشبق والإسدالات الخفيفة أجسادهنَّ وقلوبهنَّ، وللأسف، تعيش الفتاة ممشوقة الجسد جانب هذه الرغبات الدفينة منذ حمالةِ الصدر المفكوكة الأولى وحتى موتها، فهي حسب كلام رجلٍ يقال أنه طبيبٌ من القرن السادس عشر الميلاديّ مجرد وعاء لرغبات الجميع إلا رغباتها، وهي لا تطيق الجنس ولا تريده لأنها الرغبة هنا تدور حول الرجل. 

أما الرجال، فلهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا أحد يتجرأ بلومهم ولا منعهم أيضاً. فهم -وبمنطقيةٍ كاملة- يملكون كل الحق للتهور والحدةِ في تجاربهم الجنسية، إبتداءً من أفلام المراهقين وامتداداً إلى النوم في فراش صديقةٍ انتهاءً إلى امتلاك الماديات المطلوبة لأجل الحصول على الجنس الشرعيّ والمعروف بالزواج ، إستناداً إلى قاعدة أن الرجل أكثر شهوةً من المرأة أيضاً تحت ظل إدعاءات ذاك الرجل.

ها، ما رأيك؟ قلت لصديقتي

ملاك كالعادة، ربَّ فتاةٍ تنذر وعداً أن تفصل من الجامعة قبل حصولها على شهادة التخرج، لن تقبل صحيفة الجامعة مقالتك هذه، وإن قبلت فسوف تصبحين مرمىً للكرات الثقيلة التي تمزقك، لذا رجاءً، ولمرةٍ واحدة، توقفي عن هذا الفعل الجريء ذو النسق التكراري لأنني مللت! ردت ربوة صديقتي.

أواهُ منك وأواهُ من دعمكِ لي! لو أعطيتني حفنةً من تركيزك ست ربوة لعلمتِ أن مقالاتي تقبل دائماً وإن كانت حادةُ الجرأة لأن رئيس التحرير صديقي، ولعلمتِ أن المقالات لا تنشر بإسمي الشخصي إنما تحت إسم نقا النقية!

أعلم والله أعلم، أنا أخاف أن تكشفيّ فحسب، الذي يرى أساليبك الاحتيالية في التخفي هذه لا يرى قفلة حاجبيك وأنت غاضبة من شتائم الدكاترة والزملاء لكِ حينما يصدر لكِ مقالاً جدلياً، عزيزتي، ليست نقا النقية من تستر عليكِ بقدر ما تفضحك قفلة الحاجبين هذه! كررت ربوة توبيخها من جديد.

ربوة، ربوشة، أنا سأذهب إلى هيئة التحرير كالفراشة نحو النور وأسلم المقال، يلا تشااااو! قلتُ متحمسةً

احذري ألا ينهشك ذاك النور حينما يتضح في نهاية الأمر أنه لم يكن سوى ناراً! -مرة أخرى، ربوة لا تكف عن الصراخ-.

~

لا أهتم، إن كان نوراً أم ناراً أم حتى نيراناً مجتمعة، الحق يقال يا عمي، أنا أشعر بالرغبة كما يشعر الرجل، وأريدها أن تطفئ كما يريد هو، فلمَ يحق له وحده أن يفعل ذلك حينما أعيش أنا حالة التفاحة المحرمة، لا أنا آكلها ولا حتى أعرفها، الحديث فيها محرم ومذاقها محرم! إن كان الحلال حلالاًً على الجميع نطبقه، وإن كان الحرام حراماً على الجميع فلا نطبقه، أستاذ رامي أشدد على ضرورة تأكيدي على نقطة أنني لا أنادي بالجنس خارج إطار الزواج، فقط أريد أن أوضح أن للنساء رغبة مساوية. 

أنتِ تكتبين وأنا أنادى إلى مجلس الضبط لأكشف عن هويتك ولا أفعل، والله للحس الإنساني أحكام! رد هو معاتباً. 

حبيبي أنت، هاتِ أحبُّ على رأسك! طلبت منه. 

~

فيما بعد، 

جاء معيد المحاضرة شرحاً برحاً وسأل: عمّ تدور محاضرة اليوم؟ أجبت: الجنسانية بين الماضي والحاضر..

اه يا ست جنسانية أنتِ، شو رأيك بمقال اليوم؟ نقا النقية ولا نقا المفترية فجرت القنبلة الأعظم اليوم، فما رأيك؟ -فاجئني هو! 

حينها، قررت ربوة أن تأخذ دور الأم المسؤولة وتقرص ساقي عند اللحم الوفير كي لا أبدي رأيي ولا أدعم المقال وكأي رد فعلٍ طبيعيّ كان سيصدر من أي إنسان يتعرض للألم المفاجئ، صرخت! 

قال الدكتور ضاحكاً، ملاك آهاتك هذه هي أحد مظاهر الجنس المشتركة ما بين الماضي والحاضر، اجلسي مدموزيل جنسانية، كلمة الجنس أسهل عموماً! 

لعنك الله يا ربوة، أفقدك الله هدى السبيل ونديه يا ربوة، قسماً أنك غبية! كتبت لها على كتابي ومررته لها. 

.. 

بعد انتهاء المحاضرة وبهتان غضبي على حبيبتي ربوة، خرجت من المحاضرة تجاه مجلة الجامعة، عندها وجدت على لائحة الإعلانات إنذاراً يصدح بالخطر الداهم قائلاً:

إلى من يعنيه/ تعنيها الأمر:

تقرر، وبعد التوسع في الموضوع، عقد مجلس ضبط للكاتب/ة نقا النقية، على أن يكشف هويته حدود يومين لا ثالث لهما، وإلا سوف يتم إغلاق المجلة وإبدال أعضائها الحاليين إلى آخرين تتناسب توجهاتهم مع رؤية الحرم الجامعي ودكاترته. 


رأيتِ آخر المصائب؟ أنا لن أدافع عنكِ إطلاقاً ليكن بمعلومكْ! قالت ربوة. 

نظرت إلى الإعلان وجلست القرفصاء وكتاب فرويد معقوفاً على معدتي تكاد هي أن تتفتت أجزاء من الضحك، لم أعلم ماذا أفعل، ولم أخف، لقد تجهزت لهذا اليوم كثيراً!

 

  • هُس هُس، لا تعاتبْ، رامي حبيبي سأمتنع عن تسليم نفسي كالجبناء بل سأنبض شرفاً كالقلوب الأشد بأساً -لا بؤساً- في نصف الحرم غداً لأقرأ مقاليَ العلنيّ الأول! 

  • مجنونة؟ جننتِ؟ 

  • تسأ تسأ، لم أجن، أردت نشر الحقيقة والحصول على الأضواء وفعلت وسأبقى! 

ها، تطور سريع في الأحداث، انتهى الدوام، لم أرد أن أقلق أحداً، زيفت مشاعري دون أن أري أحداً لباس الخوف والقهر اللذين أرتديهما كأنهما لباس المساكين الرقيق ليلة البرد القارص، لا أملك ما يجعلني أتخلص منهما وأكرههما أمقتهما وأحقد عليهما في الوقت ذاته، تكاد عروقي أن تتفرط من الخوف والبكاء، اللهم! 

إلى المنزل، على التخت، بين أحضان علم فلسطين وشعار إمرأة فلسطينية تحمل البندقية يميناً إلى ملاحظات كتاب الفلسفة والقوانين المدنية ملصقة على الحائط يساراً، يقول والدي دائماً: "ركزي على دراستك وسيبك من العلاك الفاضي"، بابا أنا أحب العلاك الفاضي! أرد عليه دائماً.

الآن، يتضح لي أن الإنسان لا يستطيع الموازنة بين العلاك الفاضي ومتطلبات جامعته، كيف لي أن أخبر والدي أنه  خلال لحظات من الممكن أن تطرق رسالة فصليَ -من العلاك الغير فاضي- إشعارات هاتفه، يا ويلي.. يا ويلي.. اللهم قِني شرَّ ثوران الآباء! 

آه، دعينا يا ملوكة نكتب خطاب الفضيحة غداً

هاي!! إخشني! لست لينة للحد هذا، أين مقادر النساء وكيدهنّ؟ 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملوخية مع أرز.

إنطوانيت الميتة، إنطوانيت الحيّة

نابلس وعبود وأنا.