حلاوة السكر.

 حلاوة السكر


أُخلِّد كل كسلِ الكونِ في نفسي هذه الفترة، أخيل الشمس قمراً حاراً لامع اللون يشعُّ بالفضةِ البرّاقة وأطلب منها كل ليلةٍ، تلك الشمس القمراء، أن تمنحني ما أريد.

ملاك، ملاك، ناوليني غلايّة القهوة أعلى الدرج، قومي 

جعلتُ أرفرف كالحمامةِ من غرفتي حيث يقبع اللابتوب الذي أكتب عليه إلى المطبخ مباشرةً، وناولت ديمة -رفيقتي بالسكن- الغلّاية التي تريد، وعندما باشرت الخروج طلبت مني علبة السكر الموجودة أسفل الدرج المذكور ولما أمسكتها اهتزّ سؤالٌ أمام ناظريّ: ديمة، قهوة بالسكر؟ حرام والله!

ضحكت ديمة وسألتني: حزرك كم سعر علبة الحلاوة في السوق؟

رددت: 2 شيكل وحجمها صغير

-اها، بعملها الآن بالبيت أرخص وأوفر وأكثر.

ولمّا عدتُ إلى الغرفة، ونسيت حتى الذي كنت أودُّ إكمال كتابته، تأملت الشباك الذي يطل على حائطٍ إسمنتيٍ وبدأت أفكر كيف لحلاوةِ السكر أن تمنحني ما أريد، وكيف لشمس تلبس هيئة القمر أن تحقق الذي أبغي، وكتبت:

أنا إمرأة كسول، ولا أود أن أقف أمام الغاز لأعمل حلاوة أستطيع شراءها وقد يؤدي عملها في البيت أن يعرضني للحروق، وعندما أحرك الملعقة في الغلاية أو أشدُّ بالحلاوة يميناً ويساراً فوق النار لتصبح أكثر ليونةً بالتأكيد سوف أشعر بالتعب، الحلاوة الجاهزة تمنح راحةً ذهبيةً كلونها، وأنا لا أفرط بالكسل والراحة ولا حتى بيديّ الناعمتين، استجب أمنياتي، آمين!

أُخلِّد كل تعب الكون في نفسي هذه الفترة، أخيل الشمس قمراً حاراً لامع اللون يشعُّ بالفضةِ البرّاقة وأطلب منها كل ليلةٍ، تلك الشمس القمراء، أن تمنحني ما أريد.

سمر، سمر، ناوليني غلّاية القهوة أعلى الدرج، قومي

-ماما، قهوة بالسكر، حرام!

ضحكت وسألتها كما سألتني صديقتي قبل خمسة وعشرين عاماً: كم سعر علبة الحلاوة في السوق؟

ردّت سمر: 10 شيكل وحجمها صغير

 قلت لها: أيامي لما كنت صبية متلك، كان سعرها شيكلان، وكنا نعدّها في البيت للتوفير وتخفيف الأعباء الاقتصادية.

~

انتهى هذا اليوم الروتينيّ لأمٍ عربية، يوم مليء بتقطيع الجسد لأجل كل فردٍ في البيت، وحينما افترش جسدي السرير متأوهةً من الألم ووجع الرأس، أحسست بنعيم الجنة على فرشةٍ أحبها لأنها هي الوحيدة التي تبذل جسدها من أجل امرأةٍ أولى لائحة مهامها أصلاً بذل جسدها للجميع، وعندما بدأت أحس بتخدير أطرافي أخذت أحدق في الظلال المتشققة على السقف، ذلك الظلال الذي من أجل محوه أفرك كل فرنك يدخل البيت فركاً لتدخيره.

-ماما، هيني بقلك من برا الغرفة، بكرة بدي أودي كل أواعينا عالخيّاطة، مش حمل ست ساعات نقعد نخيط

لم أرُّد، رأيت في دلع وتمرّد سمر عن العمل البيتي الموفِر للمال نفسي عندما كنت صبية يانعة، وأخذت أتذكر كيف كنت أتمرد على ديمة (شريكتي في السكن سابقاً)، حتى ألبسني الله مسؤولية تهزُّ الجبال، أصبحت أماً لشابين وثلاثة صبايا ولزوج يعد طفلاً، أحرم نفسي أشياءَ كثيرةً من أجل أن لا يكون أبناء ديمة أفضل من أبنائي ولو بعصملية، وكلما أخذني الغضب والقلق أبعد أخذ رأسي يؤلمني إيلاما، لذا منعت نفسي عن التفكير، وجعلت صدري يرتفع ويهبط شهيقاً وزفيراً من أجل أن أنام، ونمت بالفعل.

منبه الساعة السادسة صباحاً يرن، وضعت أصابعي عليه لإخماده، وأخذت بفرك عيني بشدة، ثم بدأت أفك اللحاف المربوط على جسدي بشكل فوضوي وقويّ بسبب تقلباتي الكثيرة على السرير طوال الليل، جلست على السرير أحدق في وجهِ يحيى النائم، دوام عملي يبدأ الثامنة أما هو التاسعة، استيقظ السادسة لإيقاظ أبنائي حتى يلحقوا مراجعة قبل الامتحان، ولأرتب البيت أنا وأعدُّ لهم الفطور، ولا أنكر، استيقظت يومها ممتنة لنعمة الأسرة والبيت وشريك السرير، وحاولت أن أضع كفتي على عينيّ كيلا أفكر بكل مشاكل البيت التي يجب أن أحلها وأحافظ على مزاجي طازجاً وأصيلاً.

-ماما أصيل وباسل، اصحوا حبايبي، لحقولي صلاة الفجر بالله قبل ما يطلع الشروق كله

- ياما، جاي عبالي شكشوكة

يا صباح يا رزاق، ماما بخاف تقلي يوم بدك أعملك كتف خاروف فطور، قوم هلأ أصلا هيك هيك كنت بدي أعمل ما هو أبوك زيك، بدو شكشوكة ع وش الصبح.

-سمر ونقا وأميرة، اصحو حبيباتي، أميرة مش قلتيلي إنك ما خلصتي المادة، لحقي الصلاة وعالسريع قومي ادرسي.

أمسكت روبي الصباحيّ وأخذت أغلقه، وما إن لمحت المسجّل حتى شغلت "عندي ثقة فيك" للخالدة فيروز، وأخذت أعد الفطور.

سمر تحب الجبنة البيضة، نقا تودُّ أقراص فلافل مع بطاطا، أميرة تحب كرات اللبنة المغمسة بالفلفل الأحمر والزعتر البريّ، باسل ويحيى يودان شكشوكة، أصيل، ماذا يرغب أصيل؟

أخذت أنادي: أصيل ماما شو بدك؟

حطيلي صحن زيت وصحن زعتر لأغمس حبيبتي ماما، ردّ علي وهو يخلع شبشب الحمّام ويمسح وجهه بالمنشفة المعلقة.

وحينما أنهيت كل شيء بسرعة فائقة لم تتعدَ النصف ساعة، بدأت أناديهم فرداً فرداً من أجل القدوم، وكنت أول الجالسين على الأرض أحدق بالشرشف الذي نضع عليه الطعام وأخذت أركز في سندويشات الفلافل قليلاً، كنت أرغب أن آكل واحداًَ ولكن الكمية بالغالب تكفي نقا وأباها إن رغب، وفجأة رأيتهم يتدفقون كما سرب الطيور الذي يحطّ على عشِّه ملكاً، وانتقل الصالون من حالة الهدوء إلى ضجة الحديث والأخبار، وكنت سعيدةً بحق، أحب أن أراهم يأكلون بعقلٍ هادئٍ أكبر همومه هي اختبارات المدرسة والجامعة، وعندما باشرت بوضع لقمة الزعتر في فمي صرخت نقا بغضب: ماما يوجد شعرة داخل السندوتش، اع!

نظرت لها مطولاً وقلت لها: عادي ماما، سقطت من شعري وأنا أعدُّ الأكل، بالغلط سامحيني

وعادت نقا تتأفف من جديد، وإذ بأصيل يدقُّ ساقه بساقها كي تكفَّ عن هذا التصرف الأناني، فصرخت نقا وقالت: 

أصيل، دوْر المتملق حبيب الماما اتركه بعيداً عني.

واكتفى أصيل برمقها بنظرةٍ خرساء، وعاد ليضع في فمهِ الزعتر المخلوط بالزيت، وعدتُ أنا للأكل، ولمّا اكتفينا وبدأت أتناول الصحون -وحدي- إلى المطبخ رغبةً في أن يعود الأولاد للدراسة سريعاً، ناديتُ سمر لغسل الصحون معي فهي لا تملك اليوم من مشاغل سوى محاضرة لا امتحان، فلتساعدني.

-لماذا لا نملك آلة التنظيف، انظري كيف نشفت يداي من الكلور وسائل الجلي.

رفعتُ يداي لتراهما، مشققتان جافتان مليئتان بآثار الحروق، فصمتَتْ هنيهة ثم عادت لتقول، بنات خالتو ديمة عندهم جلّأية، فقلت: أوضاعهم أفضل من أوضاعنا.

وردّت بنبرة جدال: أمي، أنتِ وأبي تدخلان على البيت أكثر مما تدخله خالتو ديمة وزوجها على بيتهما، ومع ذلك أوضاعهم أفضل منا.

بدأت أحسٌّ بأظافر طويلة تمرر نفسها على جلدي، ورددت بنبرةٍ صارمة وهادئة: هي لا تملك فتاةً وشاباً تعلّمانهما الطب، ولا تملك فتاتين في الثانوية العامة، ولا تملك شاباً أنهى جامعته يجب أن يتزوج، هي لا تملك سوى فتاتين صغار، عقبالك.

وعمّ الصمت أرجاء المطبخ، ولما انتهينا كانت الساعة أصبحت سبعة بالفعل، وأخذت أنادي على نقا وأميرة لأراهما قبل خروجهما للمدرسة.

-ماما أميرة، لمَ لم تلبسي حتى الآن؟ 

-ماما ألم تقولي أنك سوف تأتين معي للمدرسة كي نحلَّ أمر تلك المعلمة؟

-ماما، شو رأيك تحكي لبابا يروح معك؟

وقاطع يحيى هذا النقاش وقال بلهجةٍ تهربيّة: ملاك، أنتِ تعرفينني، لا أملك بالاً كطول شال أميرة للجدال، أنا لا أملك بالاً حتى ليكون له طولاً، اذهبي أنتِ يعينك ربي.

فصرخت: مش ضايل وقت لشغلي

فضم ذراعيه فوق الآخر وقال: لسا الساعة سبعة.

تأففت وأخذت أرتب سرير نقا، ولمّا بدأت أنادي على باسل وسمر رأيتهما قد غادرا بالفعل، وحزنت، كيف لهما أن يغادرا دون أن يودعانني، وأخذت أصرخ: ما أنا الخدامة الي اشتراها أبوكم، للأكل والشرب بس، بنعرفش نحكي ماما سلام.

-أميرة، قومي، قومي أنا في عجلة من أمري.

~


في المدرسة:

-الصّراحة أنا حينما صرخت على أميرة كان هذا من خوفي عليها، تضيع وقتاً كثيراً في الضحك واللهوِّ مع مجموعة من البنات، وأنا لا أريد أن تحملَ علامة الرسوب في الشهادة النهائية.

-رسوب؟؟؟ شهقت بصوتٍ عالٍ.

-أنا أحذر وفقط يا أستاذة.

وما إن التفتت على وجه أميرة بعينين كعيني البومة، عدّلت أميرة شنتتها وملامح وجهها المرتابة وبدأت تنساب مع سرب طوابير الفتيات حتى اختفت تماماً، وأنا بدأت انساب في هموم الدنيا حتى اختفت ملامح وجهي تماماً، وأخذت الدموع تتسلل على وجهي دون تحكم مني وأخذ حلقي يلتهب من الحزن لمنعي إياه من العويل، كان مزاجي الجميل الذي بدأت فيه هذا اليوم قد تلاشى تماماً وأثناء سيري في الطريق فاجئني ضوء يرتعش مصدره سيارة مجهولة، وإذ بديمة تطلب مني الصعود وإيصالي إلى العمل، وما إن جلست بجانبها حتى بدأت تتسائل ما حال هذه الدموع، وامتنعت عن الإجابة، لأن ابنة ديمة في صف أميرة وأخبرتها أن هذه مشاكل البيت الاعتيادية، ولمّا وصلنا كتبت لي ورقةً وطلبت مني ألا أكشف عن فحواها إلا عندما تغادر هي، وكان مكتوب فيها: يوم الخميس، الساعة السادسة مساءً، غراند اوتيل، أود أن أتعشى معك ومع زوجك وجميع أولادك على حسابي طبعاً، رجاءً لا تنسي ولا تتمنعي وسوف أؤكد هذا الموعد يومها.


-يحيى، ديمة سوف تعزمنا على العشاء في غراند اوتيل الخميس، حبيت خبرك بس.

-عنجد ماما، ردّت نقا بحماسة بالغة.

-اي عنجد ماما، قلت.

-أميرة، لوين يا مسهل، الحقي بي أنتِ وأباكي نحو الغرفة، الآن.

ولما جلست على حافة التختِ انتظر، دخل يحيى من الباب وهو يتمحص أميرة التي تلعب بأصابع يديها وقدميها بحركة مليئة بالتوتر والخوف ثم نظر إليّ وقال: ماذا حصل؟

أتدري ماذا قالت معلمتها لي اليوم؟

قال: ماذا؟

قالت معلمتها أنها تخشى أن ترسب أميرة.

شهق بصوتٍ عالٍ: نعم؟ ترسب؟

-شو رأيك أميرة؟ في رسوب بالموضوع؟ 

-لا يا ماما، هذه المعلمة حاطي حطاتي.

-لا أنتِ يا ماما، بعدين مين هاي الشلة الي بتضيعي تركيزك معها؟

-شلة عادي.

-لا مش شلة عادي، رددت بدوري: إنها مجموعة من البنات المليئات بالأموال والثراء، صفوة الحيّ، وأنتِ تحبين صحبتهم، عزيزتي إن رسبت واحدةٌ منهم يقوم أهلها بإخراج شهادة أخرى لها، هل نملك نحن تكاليف شهادة أخرى؟ اه؟ ردي علي!

واحمر وجه أميرة، وأخذت تصرخ بصوت عالٍ: أحبهم، على الأقل يعيروني الأشياء التي أريدها بشدة وهم يملكونها امتلاكاً، تلك الأشياء التي ترفضين أن تشتريها لي بحجة المال أو حجة تفاهتها.

فقمت لأشد لها أذنها وشعرها، ليقف يحيى بيني وبينها ساتراً، وقلت: انقلعي برا الغرفة ع دراستك عدل، قسماً بالله إن شفتك قايمة عن كتابك لأنتفلك شعرك تنتيف، فاهمة؟ ردي؟ فاهمة؟

وأخذت تركض خارج الغرفة، لأخرج وراءها وأرى إخوتها يقفون في صف فوضوي على الباب بوجوه متجهمة عدا سمر التي كانت تضع معلقة من اللبن في فمها، فصرخت عليها: هذا اللبن لأجل اللبنة يا ست سمر، تردّيش تاكلي منه.

فقامت سمر بطرقِ الطبق على الطاولة بقوةٍ وبصوت عالٍ وقالت: اللبنة الجاهزة تملأ السوق، لم نفعل كل شيء في البيت بحجة التوفير لا أعلم، ثم دخلت إلى غرفتها.

وضعت يدي على شعري وأخذت أشده كالمجانين، وبدأت أصرخ بصوتٍ عالٍ كي يجتمع الكل في الصالون، ودخلت على غرفة سمر وأميرة وأخرجتهما منها غصباً وجلست على الكنبة أصفق يداي على فخذاي بقوة، بوجهٍ أزرق اللون وعينان احمرّتا من البكاء، وأخذت أصرخ:

لعاد يا باسل أنت وسمر بتطلعوا من الدار من دون ما تقولوا ماما احنا طالعين؟

ست سمر اه يا ست سمر، ياللي مو عاجبك شي يا بنت الأكابر، إن أردتي ترقيع الملابس عند الخيّاطة اعملي ومن راتبك خيّطي، أنا لا أملك مالاً فكلية الطب تملكه، إن كنت منعتك قبل أربع سنين من دخول الطب كنتِ لعنتني، وها أنا ذا لم أمنعك ولكنك أيضاً تلعنيني من داخلك، أهذا عدلٌ يا الله؟ راتبي وراتب أباكي يضيع على الجمعيات وتدخير المال لأجل كليتك أنتِ والمذوق باسل الذي يطلب الشكشوكة ولا يقول حتى أمي أنا خارج من البيت، أما عن الجلّاية التي تمنيتها بعد تنظيف الصحون مرة واحدة معي، فهاكِ يداي، انظري، ليست بيدي امرأة حتى، فلتخرسي، فلتخرسي ولا أشتم لك نفساً يعانق نفسي في هذا البيت، انصرفي على غرفتك وخذي صحن اللبن الذي تركته للخدامة أمكِ لتأخذه قبل أن أقذف وجهك فيه أنت وأخوكِ الدكتور الذي يذكر أن له أماً عند الشكشوكة فقط.

ست نقا، شعرك هذا الذي يُلْبِس رأسك ناكر الفضل إنما أنا أمه، خُلِق من شعري، كونّه لحمي، نقا لينموَ شعرك نُهِش عظمي، لذا لو تكرمتي، حينما ترين شعرةً في طعامِك أنا مصدرها عديها خطأً من الخادمة التي تطلب أن تسامحيها وتظلي تتأففين، فلتحركي أصابعك في المرة القادمة وتصنعي لنفسك فلافلاً مليئاًَ بشعركِ كي لا تشعري بالقرف، أنا التي أشعر بالغثيان عندما أرى كم ناكرةً للجميل كنتِ وسوف تبقين، أنا التي أشتهي الفلافل اشتهاءً وأحرم نفسي من أجل أن تذهبي لأستاذ الخصوصي ماركة الطبقة البرجوازية، أما الست أميرة، الضحية أميرة، تقولي لي أنهم يعيرونك الأغراض التي تريدينها؟ وعزّة اللهِ إن لم تأتني بعلامة التفوق آخر السنة سوف أحرمك حتى من الأساسيات، أتفهمين؟ 

وأثناء انهيار ملاك الأم، رنَّ هاتفها:

على موعدنا يوم الخميس، إيه ملوكة؟ -قالت ديمة.

إن شاء الله خير. -رددت أنا

وعندما أردت إغلاق المكالمة إذ بأميرة تصرخ بصوتٍ عالٍ ممزوج بالبكاء وتقول: على الأقل هناك من يتذكرنا بكرمه!


حينها جلست على الأرض بوضعية التشهّد الأوسط وأخفيت وجهي بيديّ وأخذ النشيج يتصاعد أكثر وأكثر، وسحبت نفسي إلى غرفة النوم وأغلقتها بالقفل، لم أنم ليلتها، ظللت أتأمل الظلال المشقق الذي لطالما وددت تصليحه، وظللت أسمع طرقات الباب الخافتة من أبنائي، أظنه أصيل وحده، أسمع بكاءً في الخارج ويضم هذا البكاء عيناي في الداخل، بكاءٌ لأنه لأنني لم أكن أماً مثالية كما أردت يوماً البتة، وبكاءٌ لأن جسدي المقطّع لم يكفِ أحداً منهم، بكاءٌ لأن ماما كانت تفعل هذا معي، وفي كثير من الأحيان لم أشعر أنها متعبة، أمي التي كانت تلفظ روحها على طبق كنت أنا أرى كميته صغيرة، بكاء لأن السرير الذي ظننته يحبني بلا شروط سألني اليوم لمَ غرزات شراشفه فوضوية لهذا الحد، ولم لم آخذه إلى الخياطة!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملوخية مع أرز.

إنطوانيت الميتة، إنطوانيت الحيّة

نابلس وعبود وأنا.